رحيل المطرب العراقي ياس خضر

ياس خضر

“يا ريل طلعوا دغش، والعشق كذابِ، دق بيّه كل العمر ما يطفه عطابي، نتوالف ويه الدرب، وترابك ترابي، وهودر هواهم ولك، حذر السنابل كطة”.

يشكو الفنان العراقي، ياس خضر، في أغنية تحمل اسم “مرينا بيكم حمد” خيبته بمن يحب، للقطار الذي يسافر به ليلًا، فالأحباب مزيفون، ولم يكونوا على قدر الحب، والجمر المتقد في صدر صاحبه لا ينطفئ حتى لو سرى به القطار طوال الليل.

هذه الخيبة التي تصيب بمقتل، وتضع صاحبها أمام إنكار وغضب ومساومة واكتئاب، قبل القبول، ترجمها صوتيًا ياس خضر، عن نص للشاعر مظفر النوّاب، ولّدته قصة حقيقية، ما يجعل ياس خضر، ناقلًا للحقيقة، وقاصًّا للحكاية، ومغنيًا لها ومن أجلها في الوقت نفسه.

في ليل الجمعة، 1 من أيلول، دخل أبو مازن مرحلة قبول من نوع مختلف، بعد أسبوعين من مقاومة القلب، وعمر طويل جعله مؤرخًا لأحزان العاشقين.

ونعت نقابة الفنانين العراقيين، ياس خضر، فجر السبت 2 من أيلول، وأعلنت وفاته في أحد مستشفيات العاصمة العراقية، بغداد، بعد صراع مع مرض عضال، وقدّم وزير الثقافة العراقي، التعازي والمواساة للأوساط الموسيقية وأسرة المطرب الراحل، ونقابة الفنانين، والأسرة الفنية.

من ياس خضر؟

ياس بن خضر بن علي القزويني الحسيني، مطرب عراقي من أبناء محافظة النجف، ومواليدها عام 1938.

بدأ أبو مازن رحلته الفنية في ستينيات القرن الماضي، بأغنية “الهدل”، وقدّم بصوته قصائد ونصوصًا لشعراء كثر، منهم زامل سعيد فتاح، لكن حالة انسجام فني طغت على الأغنية، حين جمعت حنجرة ياس خضر بين نصوص مظفر النواب، وألحان طالب القرة غولي، وأبرز ما أنتجه الثلاثي العراقي، أغنية “مرينا بيكم حمد”، و”البنفسج”.

سافر ياس خضر وارتحل في بلدان كثيرة، عربية وغربية، حاملًا صوت الأرض (وهو لقبه أيضًا)، إلى جمهوره العربي في بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة.

“اعزاز، وياحسافة، ومجروحين، ومسافرين، وآه يا ليل”، كلها عناوين أغنيات تعبر عن الأسى كشعور جمعي، وملخصات لفظية لحزن يتسرب عبر السمع.

ياس خضر ابن بيئته، صوتًا وشكلًا، طبع صورته في ذاكرة جمهوره بالزي العراقي الأصيل، دون مجازفة بحضور ناقص، أو أغنية لا تنافس أخواتها، أو اقتراب من الضوء حد الاحتراق، إذ تقول الأغنية أكثر من المقابلة، وفق الخط الفني الذي مشى عليه أبو مازن، وأورثه لذاكرة جمهوره، باعتباره قامة ونخلة عراقية لم يمنع جنيها احتلال وحروب تعاقبت عليها، منذ احتلال فلسطين، وحتى غزو العراق (2003)، وما تبعها من فوضى لم تمنح راحة للأرض أو “صوتها”.

كما تعتبر “تايبين” واحدة من الأغنيات البارزة في أرشيف ياس خضر، على مختلف مستويات تكوينها، بدءًا بالنص وتطور سرده القصصي، وصولًا إلى الموسيقى واللحن، وولادة الأغنية على شفتي المطرب، ليمنحها صك مقاومة النسيان.

وبنسخة مطولة من “مرينا بيكم حمد”، وخلال جلسة جمعت كبار مطربي الأغنية العراقية، وحرّاس أصالتها، يرد قول النواب “يا ريل جيّم حزن، أهل الهوى مجيّمين”، في دعوة صريحة لقطار الليل للإكثار من الحزن، فالعشاق، ومن يعيشون الفقد، والفراق، ويختبرون الخسائر، كثيرو الأحزان بالضرورة.