مع انطلاق مهرجانات بعلبك الدولية عام 1955، لم تعد الهياكل الأثرية في المدينة شاهدة على امبراطوريات عدّة، ودول يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد فحسب، بل أصبحت شاهدة على فنون وموسيقى وعروض تنتمي إلى ثقافات العالم.
تُعرف بعلبك بأنها “مدينة الشمس” بحسب المراجع التاريخية، وخلال فترة المهرجانات يتحوّل ليل المدينة إلى نهار، صاخب بالموسيقى والإيقاعات.
في الأول من يوليو 2023، انطلقت مهرجانات بعلبك مع برنامج فني مميّز، وافتتحت المهرجانات بالعرض الإيطالي الراقص “روبرتو بيللي والأصدقاء”، بالتعاون مع السفارة الإيطالية.
كما احتضنت الآثار القديمة الأناشيد الصوفية القادمة من سوريا، مع فرقة الكندي والشيخ حامد داود.
وقالت رئيسة مهرجانات بعلبك الدولية، نايلة دوفريج، في حديث مع وكالة أنباء العالم العربي “AWP”، “إن الاختيار وقع على العرض الإيطالي ليكون فاتحة الفعاليات، كنوع من التحية لإيطاليا، لمساهمتها في عملية ترميم معبد باخوس وأعمدة جوبيتر في بعلبك، التي انتهت عام 2022”.
بعدها أقيمت فعالية تجمع الموسيقى الشرقية والفلامنكو بعنوان “الجذور في أيدينا من إسبانيا ولبنان”، بقيادة الفنان ناشو أريماني، والمغنية اللبنانية فابيان ضاهر، وجوقة جامعة القدّيس يوسف بقيادة ياسمينة صبّاح، ترافقهم راقصة إسبانية.
في 14 يوليو، تشهد المهرجانات حفلاً غنائياً للفنان ملحم زين، على أن يختتم المهرجان فعالياته في 16 من الشهر ذاته، مع الفنانة الفرنسية إيماني، بأغاني وموسيقى البوب.
وأكدت رئيسة مهرجانات بعلبك الدولية، نايلة دوفريج، على “أهمية هذا الحدث الثقافي في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان.
لكن قرار إقامة المهرجانات جاء لإظهار وجه لبنان الحضاري، و”توجيه رسالة إلى العالم بأننا نملك القدرة على إقامة الفعاليات الثقافية”، بحسب دوفريج.
وواجه النشاط الثقافي في لبنان تحديات كثيرة على مدى العقود الماضية، إذ توقفت مدينة بعلبك عن إقامة مهرجاناتها خلال الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، قبل أن تعود من جديد عام 1997.
ومع انتشار فيروس كورونا عام 2020، واجه القائمون على المهرجانات تحديات جديدة، بسبب الوباء الذي أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
غير أن دوفريج أشارت إلى “متابعة الجماهير لأنشطة المهرجان عن بُعد، عبر منصّات التواصل الاجتماعي، خلال فترة الإغلاق العام”.
وأقيم حفل “صوت صمود” في بعلبك الذي أحيته الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، وذلك برفقة جوقة الجامعة الأنطونية وجوقة جامعة سيدة اللويزة وجوقة الصوت العتيق، من دون حضور جماهيري التزاماً بالتعليمات الصحية.
وأضافت: “عام 2022 أقمنا مهرجاناً أكثريته من الفنانين اللبنانيين مع بعض الأجانب، أما هذا العام فكان الهدف إعادة إضفاء الصبغة الدولية على الفعاليات، كي لا يكون المهرجان محلياً فقط”.
وأوضحت أن البرنامج يتضمن “حواراً موسيقياً بين إسبانيا ولبنان، وحفل غنائي للفنان ملحم زين، ابن بعلبك، إضافة إلى الإنشاد الصوفي من العاصمة السورية دمشق، ومغنية بوب إفريقية فرنسية”.
وتؤكد دوفريج أن “التنوّع الفني في المهرجانات يشكّل انعكاساً للبنان، ورسالة مهرجانات بعلبك فحواها “احترام كل إنسان وتقدير ثقافة الآخر”.
تضمّ بعلبك ومحافظة البقاع مناطق سياحية وتاريخية عدّة، يقصدها السياح العرب والأجانب، من قلعة بعلبك ومتحفها، والآثار الرومانية، إلى المناطق الطبيعية مثل نهر العاصي وسهل البقاع.
وتعتبر دوفريج أنه إلى جانب الرسالة الثقافية، “يسهم المهرجان في تأمين عائد اقتصادي خلال فترة إقامته أيضاً. إذ تمتلىء الفنادق بشكل كبير في بعلبك والبقاع، وتقوم المؤسسات بتحسين خدماتها استعداداً لاستقبال الفنانين”.
ولفتت إلى وجود تعاون مع قوى الأمن خلال فترة المهرجانات، وهو ما أشار إليه محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر خلال اجتماع أمني في يونيو الماضي، مؤكداً على “اتخاذ التدابير الاستثنائية اللازمة لتأمين كل الطرق المؤدية إلى موقع الفعاليات.
وأشارت دوفريج إلى أن المهرجان “لا يحصل على تمويل من الدولة حالياً، ولم تعد الحكومة تدعمه كما كانت سابقاً، نتيجة الأزمة الاقتصادية”.
وقالت: “إن الثقافة هي أوكسجين، فإذا كان البلد في حالة موت، فهل يجب أن تذهب الحالة الثقافية في ذات المنحى؟ بالطبع لا، فنحن في معاناة وأزماتنا كبيرة، لكننا مسؤولون عن مهرجان ثقافي سياحي وهو رسالتنا في تأكيد استمراريتنا”.
واختتمت دوفريج حديثها بالقول: “موقع بعلبك في كل الفصول وليس فقط خلال فترة المهرجانات، لذا علينا تشجيع سكان المنطقة والعمل معاً لدعمهم”.